عبد اللطيف سنو… وداعًا يا أخا القلب والروح

بقلم: ايلي السرغاني
بكلّ ما في القلب من حزن، وبكلّ ما في العين من دمع، وبكلّ ما في الروح من وجع، نودّع اليوم الصديق والزميل والأخ العزيز، المحامي عبد اللطيف سنو، الذي رحل عن هذه الدنيا بصمت، كما كان دائمًا، هادئًا، متواضعًا، نقيًّا… لكنه ترك وراءه ضجيجًا من الحزن، وفراغًا لا يملأه أحد.
كنت بالأمس، برفقة الأستاذ جورج صقر، نزوره ونطمئن على صحّته، نُحدّثه ونسمع منه. تحدّثنا كأننا نطوي صفحة أخرى من صفحات الحياة، وما كنا ندري أنّها كانت الصفحة الأخيرة. جلستنا تلك كانت كمشهد من رواية حزينة، صامتة، تغلّفها مشاعر لا تُقال، ودموع لا تُرى، لكنها تُحَسّ بكل خلية في القلب.

رحيل عبد اللطيف ليس مجرد غياب جسد، بل هو كسقوط غصنٍ أخضر من شجرة وارفة. هو كخمود قنديلٍ كان يضيء الدرب في ليالي العتمة. هو كصمت عودٍ طالما عزف أنغام المحبة في بيوت الأصدقاء والغرباء على حدّ سواء.
كان عبد اللطيف أخًا حقيقيًا، لا يعرف التفرقة بين من يعرفه ومن لا يعرفه، كان للجميع كما كان لنفسه. يحمل قلبًا يسع الجميع، وصدرًا رحبًا كالسهل الممتد، يفتح ذراعيه لكل من قصده. لا أذكر يومًا جلست معه إلا وشعرت أنني في حضرة إنسان من نوعٍ نادر: خفيض الصوت، عميق الفكر، نقيّ النية، واسع الثقافة.
كم من مرة جلسنا وتبادلنا أطراف الحديث، وكم من نقاش احتدم بيننا في الدين أو في الفلسفة أو حتى في الحياة، فكان دائمًا حاضر الفكر، محاورًا لبقًا، يقدّم الرأي برقيّ، ويستمع برحابة صدر. محبّته للشعر كانت كالماء للزرع، يُحيي بها الحديث ويُنمّي بها القرب. يردد الأبيات من قلبه، لا من ذاكرته فقط، وكأن الشعر عنده وطن، يجد فيه ذاته، ويتكئ عليه في لحظات التأمل.
أما إيمانه، فكان صامتًا وفعّالاً، عميقًا وبسيطًا في آن. كان من أولئك الذين لا يرفعون صوتهم بالصلاة، لكنّ كل سلوكهم صلاة. مواظبٌ على الصوم، لا يفوّت قدّاسًا، حاضرٌ في الأعياد كما في الآحاد، لا غياب له عن بيت الرب، لأنه كان يرى فيه ملاذه وسرّ قوّته. لم يكن تديّنه مظهريًا، بل سلوكًا، تواضعًا، محبّة.

قال السيد المسيح:
“تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم”
وقال عزّ وجلّ في كتابه الكريم:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾
رحل عبد اللطيف… وها نحن نجرّ خلفنا ظلّ الحزن الثقيل، كأننا نودّع جزءًا من أرواحنا. صوته ما زال في ذاكرتنا، ضحكته تلوح كأغنية قديمة، جلسته بيننا غابت، لكنها مطبوعة في القلب كالنقش على الحجر.

سنفتقدك في تفاصيل الأيام…
في الجلسات التي كنت نجمها،
في النقاشات التي كنت روحها،
في القداديس التي كنت أول الحاضرين فيها،
وفي العيد الذي لم يعد عيدًا بغيابك.
نم قرير العين يا شربل ( كما كان يحب أن أناديه)،
فقد أتممت رسالتك بصدق، وملأت قلوبنا بمحبة لا تزول، وعلّمتنا أن الإنسان لا يُقاس بما يملك، بل بما يمنح.
رحمك الله، وأدخلك فسيح جناته بين الابرار والقديسين، وجعل ذكراك زادًا لنا في درب الوفاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون…
المسيح قام … حقا قام

شاركها.

إجمالي عدد زوار الموقع: 122,097