مكافحة خطاب الكراهية على شبكة الانترنت

شهد خطاب الكراهية انتشارً واسعًا بفعل المنتديات والمدونات الالكترونية ومواقع التواصل الجتماعي التي تشكل منصات مفتوحة للجميع لممارسة حرية التعبير عن مختلف الآراء… وبالنظر إلى النتائج الضارة المترتبة على اساءة استعمال هذه المنصات بحيث تتحول الى منابر لبث الكراهية بين مختلف مكونات الشعب اللبناني بشكل خاص والناس كافة بشكل عام، تشكلت لدينا مجموعة اسئلة حول تعريف خطاب الكراهية والأساس القانوني للحدّ منه ومدى وجود نصوص في التشريعات اللبنانية ذات الصلة تساهم في ردع مروّجيه.
هذه الاسئلة وغيرها طرحناها على الدكتورة عطاف قمرالدين وهي أستاذة جامعية وباحثة في القانون الجزائي، للوقوف على العناوين العريضة في مسألة مكافحة خطاب الكراهية على شبكة الانترنت…فكان هذا الحوار

– ما هو خطاب الكراهية؟
*يحمل خطاب الكراهية معنى التعبير عن الكراهية التمييزية تجاه ألآخرين على أساس أمر ما يرتبط بهويتهم. وعلى هذا، يمكن تعريفه بأنّه كل تحريض علني على التمييز، العداء أو العنف ضد فرد أو مجموعة أفراد، بسبب أصولهم أو إنتمائهم الإثني أو القومي أو العرقي أو الديني او اي سبب تمييزي آخر كالجنسية، الجنس، الوضع العائلي، المظهر الخارجي، السنّ، الآراء السياسية، النشاط النقابي أو الحزبي….

– لماذا مكافحة خطاب الكراهية؟
*بحسب الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، لكل إنسان الحقّ في التمتّع بجميع الحقوق والحرّيات المكرّسة في كافة نصوص القانون الدولي لحقوق الانسان، دونما تمييز من أيّ نوعٍ كان، سواء على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني أو الرأي السياسي أو الدين أو الثروة أو الجنسية أو أي وضع آخر… لذلك تهدف مكافحة خطاب الكراهية الى دعم وتعزيز حقوق الانسان وتقليص الفروقات بين الناس والحدّ من مظاهر العداء والعنف والوصم والتهميش والتمييز عامةً بما يتناسب مع الشرائع والمواثيق الدولية من هذه الناحية.

– ما هي تداعياته؟
*لخطاب الكراهية تداعيات جسيمة على المجتمع المحلّي والمجتمع الدولي ككلّ، لكونه يؤجّج الفتن والانقسام، ويغذّي النمطية ومشاعر الحقد الناتجة عن مجرد الاختلاف ويعيق الجهود الرامية إلى التشجيع على حلّ الخلافات بالتفاوض والحوار. كما أنّه ينذر بالعنف الذي قد يصل إلى مستويات خطرة في حالات التطرف الى الآراء أو التعصّب الشديد.

– كيف تساهم شبكة الانترنت في انتشار خطاب الكراهية؟
*ان الفضاء الواسع العالمي الذي أتاحته شبكة الانترنت، لعب دورًا هامًّا في تعزيز الخطاب الموجّه الذي يغذي بدوره مفهوم الآراء المسبقة والإدانة المباشرة، سيما في ظل سهولة التخفّي خلف الحسابات الالكترونية الوهمية والأسماء أو الصور المستعارة، ما يسهّل أمر الإفصاح عن العدائية تجاه الآخر المختلف دون أي قيد أو عائق.

– هل يعني ذلك ان نطاق خطاب الكراهية يقتصر على شبكة الانترنت؟
*كلا ، لا يجب أن يُفهم ممّا تقدّم أنّ وسائل الاعلام التقليدية لا تساهم في بث خطاب الكراهية، ولكن كل ما هنالك أنّ الوسيلة الرقمية هي أكثر انتشارًا ومتاحة للجميع وأنّ المحتوى الذي يبثّ من خلالها يخضع لتأثير الأحداث اليومية ومستجدات الواقع العام كالواقع الطائفي أو الانقسام الحزبي الحادّ أو القضايا السياسية كرهاب الاسلام أو الإسلاموفوبيا، أو مسائل اضطهاد الأقلّيات وأزمات النازحين واللاجئين وغيرها من الأمور التي تهمّ المجتمع العالمي بأسره وتنتج بطريقة أو بأخرى، الخطاب المتطرّف.

– هل هناك تعارض ما بين حرية التعبير من جهة والسعي الى مكافحة خطاب الكراهية من جهة أخرى؟
*ان المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي كرست الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة والحق في حرية التعبيرقد ربطت ممارسة هذه الحقوق بواجبات ومسؤوليات خاصة تجيز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم او لحماية الامن لقومي او النظام العام او الصحة او الاداب العامة بالتالي ان حرية التعبير ليست مطلقة وتخضع لمعايير معينة. من هنا تظهر مشروعية مكافحة خطاب الكراهية بصفته تعبير غير منضبط يطال حقوق وحرّيات الآخرين والمصالح العامّة.

– هل هناك أي حظر تشريعي دولي لخطاب الكراهية؟
*في الواقع، لم يكتفِ القانون الدولي لحقوق الانسان بوضع معاييروضوابط على ممارسة حرّية التعبير بل انه كرس نصا صريحا يحظر خطاب الكراهية، هو نصّ المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي نصّت في الفقرة الثانية منها على انه تحظر بالقانون أيّة دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكّل تحريضًا على التمييز أو العنف او العداوة .

– كيف ترجم هذا النص في مجال الجهود الدولية لمكافحة هذا الخطاب؟
*لعلّ أهم الجهود المبذولة في هذا المجال، فلعلّها تتمثّل في استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية لعام 2019 التي اقرت بخطورة خطاب الكراهية من منطلق أنّه يحرّض على العنف والعداء والتمييز، ما قد يستتبع أفظع أنواع الجرائم كالإبادة الجماعية والإرهاب. وحدّدت منطلقات المكافحة بعدة اعتبارات منها حماية حقوق الانسان ومكافحة الإرهاب وما يكمن وراءه من انتشار للتطرّف وحماية الاقليات ومكافحة جميع أشكال العنصرية والتمييز والحفاظ على السلام عامةً. كما وضعت الأمم المتحدة على عاتقها مجموعة التزامات على هذا المستوى، منها: رصد خطاب الكراهية وتحليله، معالجة الأسباب الجذرية الكامنة ورائه،إشراك ضحايا الخطاب في مكافحته بالسبل القانونية المتاحة وبالحصول على المشورة النفسية، لعدم تصعيد خطاب الكراهية الانتقامي، العمل مع وسائل الاعلام الجديدة والتقليدية لدعم قيم التعددية وحرّية الرأي. ومواكبة الابتكارات التكنولوجية لدراسة العلاقة بين إساءة استخدام شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر خطاب الكراهية…

– هل من تجريم صريح لخطاب الكراهية في القانون اللبناني؟
*في الوقت الذي أُدخل فيه مفهوم مكافحة الكراهية إلى نصوص التشريع الفرنسي منذ العام 1986 بموجب القانون المتعلّق بحرّية الصحافة إذ نصّ على معاقبة التحريض العلني على التمييز، العداء أو العنف ضد فرد أو مجموعة أفراد بسبب أصولهم أو انتماءاتهم الإثنية أو القومية أو العرقية أو الدينية، إلى حين مواكبة تداعيات التطوّر الرقمي والتصدّي لخطاب الكراهية بواسطة شبكة الانترنت تحديدًا من خلال إقرار القانون رقم 766-2020 الرامي إلى مكافحة محتوى الكراهية عبر الانترنت، فضلاً عن قانون العقوبات الفرنسي الذي يعاقب على التحريض غير العلني على التمييز، العداء أو العنف ضد فرد أو مجموعة أفراد بسبب أصولهم أو إنتمائهم أو عدم انتمائهم، الفعلي أو المفترض، إلى إثنية أو أمة أو عرق أو دين ما…. نجد أنّ المشرّع اللبناني ما زال متأخّرًا عن مواكبة الاتجاه الدولي في مكافحة خطاب الكراهية، فهو لم يعمل على تكريس أيّ نصّ يجرّم صراحةً كل دعوة إلى الكراهية، تجاه فرد أو مجموعة أفراد، بأيّة وسيلة كانت، تشكّل تحريضًا على العداء أو العنف أو التمييز، لأيّ سبب يرتبط بعامل محدّد لهوية هذا الفرد أو تلك المجموعة.

– في ظل هذا الشغور كيف تتم مكافحة هذا الخطاب في لبنان؟
*من العودة إلى نصوص قانون العقوبات اللبناني، فإنّ المشرّع قد عاقب على جرائم النيل من الوحدة الوطنية أو تعكير الصفاء بين عناصر الأمّة من خلال تجريم كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمّة. والنعرات العنصرية والطائفية تندرج تحت خانة خطاب الكراهية لأنها تقوم على الفروقات الدينية كما على أي تمييز يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني…
إلا أنّه حفاظًا على مقتضيات مبدأ الشرعية الجزائية الذي يفرض أن يفسّر النصّ الجزائي تفسيرًا ضيّقًا، نخلص إلى التأكيد على عدم وجود نصّ في التشريع الجزائي اللبناني يجرّم خطاب الكراهية بمفهوم المعايير الدولية الحديثة ذات الصلة.

– كلمتك الأخيرة؟
*من الهام أخيرًا التركيز على دور التعليم والعمل التوعوي على الحدّ من التطرّف عامًة، من خلال تعزيز قيم المشاركة المدنية التي تغذي قيم الانتماء الوطني وتضعه في مرتبة متقدّمة على أي انتماء آخر، والانفتاح على الآخر وممارسة حرّية التعبير عن الرأي ضمن ضوابط الأخلاق والقانون.

شاركها.

إجمالي عدد زوار الموقع: 122,132