هل تفوق ايرادات التبغ كلفته الصحية؟
عبود :في البلد اكثر من ٢٥الف مزارع للتبغ
مازن عبّود عضو لجنة إدارة التبغ والأستاذ الجامعي والكاتب الاقتصادي في جريدة النهار، نال دكتورا في الاقتصاد بدرجة ممتاز من جامعة القديس يوسف في بيروت مصدقة من جامعة ماكماستر الكندية حول اذا ما كانت إيرادات التبغ تفوق كلفته الصحية…حول موضوع رسالة التخرج التقيناه وكان هذا الحوار
*كم تسهم صناعة التبغ في الناتج المحلي اللجمالي للبلد؟
-إيرادات قطاع التبغ بشكل مباشر وغير مباشر تشكل أكثر من ثلاث مائة مليون دولار سنويا في هذه الأيام. تقلصت بعض الشيء جراء تراجع القدرة الشرائية لدى المواطن وتقلص السوق وزياد الكلفة المباشرة جراء ارتفاع أسعار المواد الأولوية والشحن وما شابه. أهمية الريجي هي في أدوارها ليس فقط في تحقيق الربحية انما قدرتها على تحقيق فعالية اقتصادية أكبر عبر تحكمها بسوق مواد ضارة لخفض الاستهلاك ورفد الخزينة بالمداخيل في العملة الصعبة وتوزيع بعض الأرباح على المزارعين لتثبيتهم في أراضيهم وضمان فرص عمل للناس وزيادة الكتلة النقدية التي بحوزة الدولة في العملات الصعبة.
*كم عدد الوظائف المباشرة وغير المباشرة التي توفرها صناعة التبغ؟
-في البلد زهاء 25 ألف مزارع دخان يعتمدون بشكل ثانوي على مداخيل بيع محاصيلهم التبغية. وثمة من يعمل في الإدارة يقدر عملهم بألف موظف وثمة من يعمل في الشركات التي تقدم خدمات مختلفة للإدارة يقدر عددهم بألفي موظفي. كما لدى الإدارة أكثر من 800 وكيل بيع بالجملة مما يجعل عدد الذين يعملون في القطاع بشكل مباشر 30.000 يرفدون عائلاتهم بمداخيل ترتبط بهذا القطاع. أضف الى ذلك آلاف الوظائف التي ترتبط بشركات الشحن وسلاسل التوريد والإنتاج والتوزيع والخدمات المالية والاستشارات وما الى ذلك.
*هل لصناعة التبغ دورا في الثقافة المحلية او التقليد جنوبا وبقاعا؟
-لطالما ارتبطت هذه الشتلة بنضالات شرائح الأطراف المهمشة بوجه العموم واهل جبل عامل وسائر الجنوب بوجه الخصوص لتأمين رغيف الخبز. بدايةكانت عنوان السخط حين أعاد الفرنسيون العمل بالاحتكار في 1935 الذي شكل تحديا لبكركي والبطريرك عريضة الذي انتكست علاقته بسلطات الانتداب جراء ذلك. صدمة دفعت بالبطريركية المارونية الى التفكير وبدء التحرك لنيل البلد استقلاله بعدما ادركت انّ مصالح فرنسا ليست بالضرورة مصالح الموارنة. .
شتلة عادت فحرّكت الشارع في الفترة التي سبقت الحروب اللبنانية. فكانت عنوان الزراعة المغدورة التي فقدت أهميتها والمزارعين الذين فقدوا مداخيلهم جراء فقدان التبغ الشرقي موقعه العالمي على إثر حلول الخلطة الامريكية بشكل ترافق مع العولمة في السبعينات، فسقطت وردة وآخرون. مزارعو التبغ ووجدوا أنفسهم على الهامش في تلك الفترة. فانتفضوا لمواجهة احتكار تديره شركة لحساب الدولة جراء تبخر مداخيلهم.
الشتلة عادت فاكتسبت أهمية بعيد الاجتياح الإسرائيلي. فأمست رمز الصمود وفق الرئيس نبيه بري. وقد ساهمت في تثبيت الناس في أراضيهم ابان احتلال إسرائيل للجنوب ومن ثمّ امّنت فرص عمل بديلة بعد انسحابها…
عائلات كبرت من ايرادها وعلّمت أولادها حتى قبل ان تحصل الهجرة الى افريقيا. وهذا يفسر أسباب تعلق اهل الجنوب بها عموما والشيعة خصوصا. امست جزءا من الهوية الحضارية والثقافية لتلك الشريحة.
نعم كان دعم التبغ جزء من السياسة الاجتماعية التي اعتمدتها دولة لبنان الفتية للمصالحة مع الشرائح الفقيرة والغاضبة ووسيلة اعتمدت لمنع النزوح باتجاه المدينة. هي أحد وسائل السياسات الاجتماعية للدولة التي مازالت تضمن توزيع الثروات وعدم خروج شريحة كبيرة من الناس عن الأطر القانونية وتحولها الى عبء عليها وعلى استقرار البلد. التبغ اليوم اضحى مادة ضارة لكن لا يمكن التخلي عن زراعته دون تأمين البدائل التي تضمن استدامة معيشة المزارعين. من هنا ضرورة التفتيش عن زراعات أكثر قيمة اقتصادية تضمن معيشة المزارعين وربح الدول. قد يكون القنب الهندي للاستخدامات الطبية والصناعية والغذائية أحد هذه البدائل فهو يؤدي الى رفع الدعم كما رفع مداخيل المزارعين. وهذا ما نعمل على دراسته مع الجامعة اللبنانية الامريكية. فقد التبغ الشرقي أهميته وأضحى من دون فائدة كبيرة اقتصادية. زراعته مازالت ضرورة لاستدامة دخل جزئي لشرائح واسعة من الناس ولضمان تأمين حسن توزيع الثروات لكن لذلك اكلاف. كلفة يمكن تقليصها او الغاؤها بالكلية اذا ما تمّ البدء بزراعة القنب الهندي لضرورات غير ترفيهية وتعميم ذلك وهذا ضرورة. فالزراعة والمزارعين هم الأمانة وللحفاظ عليهم يتوجب رفدهم بمنتجات اكثر فائدة وقيمة مادية ومعنوية اذ انّ التبغ بدأت منظمة الصحة تعمل لجعله غير شرعي. لبنان يدعم زراعة التبغ والمطلوب ان يدعم الانتقال الى مزروعات اكثر استدامة وربحية تؤدي الى رفاه اكبر للمزارعين وترفد الاقتصاد بإسهامات كبرى وهذا ليس يصعب. استبدال التبغ بالقنب لضرورات صناعية يمكن ان يرفد البقاع بفعالية اقتصادية تتخطى 15 مليون دولار بدل ان تتكبد الدولة خسائر الدعم. ما يبرر وجودنا كاحتكار تبغي هو الفعالية الاقتصادية وقوامها توزيع الثروة إيجاد فرص عمل للناس وخفض استهلاك مادة ضارة مع زيادة الإيرادات بغية تغطية الكلفة الصحية لاستهلاك هذه المادة الضارة. لا يكسب لبنان من زراعة التبغ بل من التصنيع والتجارة وهذا لا يوازي حجم ضرر التدخين لكن الوصول الى عالم خال من التدخين يوجب علينا فهم الواقع والتعامل معه بوسائل اقتصادية ونشر وعي وتغيير في الثقافة. حاولنا القيام في اطار السياسة الاجتماعية القيام بمشاريع تنموية تهدف الى توفير البنى التحتية الضرورية للزراعة لكن موازنة 2019 أوقفت كل هذه المشاريع بالرغم من ضرورتها وساوت الصالح بالطالح.
ما نحن مؤتمنون عليه اليوم هم المزارعون والكفاءة الاقتصادية والتحكم بسوق ضارة. لقد اوكلتنا الدولة بذلك، وهذا واجبنا وهذا ما نقوم به على قدر ما أمكن. لو كان لنا سلطة مركزية بحدود مضبوطة لكان من السهل تحقيق الكفاءة وخفض عدد المدخنين عبر رفع الأسعار لكن البلد ينهار ومعه هيبة الدولة وقدرتها. وفي هذه الحالة رفع الأسعار سيؤدي الى زيادة التهريب الذي يزداد ويترافق بخسارة جراء زيادة عدد المدخنين والكلفة الصحية وانخفاض عائدات الدولة لحساب السوق السوداء. وفي انهيار الهيبة والسماح بسقوط الحدود جريمة. مهمتنا شائكة للغاية اذ أنك تحاول التحكم بسوق مواد ضارة ولهذا تبعات علينا. لكن أيها أفضل اخلاقيا التحكم بالسوق الضارة ام تركها للمنافسة والسوق السوداء؟ هذا سؤال يراودني كل يوم وقد كان من أسباب اختيار رسالة الدكتورا.
لقد قامت اللجنة الحالية برئاسة المهندس ناصيف سقلاوي بجهود فعالة لجعل الريجي شركة عصرية توازي الشركات العالمية. زادت من كفاءتها في ظل ظروف خارجية صعبة. وعرفت كيف تحوّل التحديات الى فرص. تحكمت في السوق وزادت حصة الدولة من إيرادات السوق عبر خفض معدلات التهريب بوسائل مالية. قدمت الدعم للمزارعين ورفعت الكفاءة الاقتصادية للمؤسسة. اوجدت فرص عمل ورفعت إنتاجية العاملين فيها. فأعطت مثالا حول كيفية إدارة الشركات المملوكة من الدولة.
*ما هي ابرز التوصيات التي خلصت اليها اطروحتكم؟
_ في مناقشة اطروحتي اوصيت بضرورة الاحتفاظ بالاحتكار لزوم تحقيق الفعالية الاقتصادية عبر التحكم باستهلاك مواد مضرة. اوصيت بضرورة تضمين أسعار المواد التبغية ما نستطيع تضمينه من الكلفة الصحية مع إبقاء العين على السوق السوداء. اوصيت بزيادة الوعي حول مخاطر التدخين والبحث عن بدائل.