حبوبة عون
الإنسان جلّادٌ لنفسه؛ فهو يعلم تمامًا ما يجب فعله ليحيا حياة كريمة، ومع ذلك يتصرف على النقيض من ذلك. يدرك أن من لا يقدّم له رشوة هو الصادق، ومع هذا يميل إلى من يرشيه. وإذا قصد زيارة غنيّ، وربما فاسد، يبيع أغلى ما يملك ليحمل له هدية ثمينة، بينما يزور صديقه الفقير صفر اليدين، وكأن قيمة الهدية تتناسب طردًا مع ثراء من تُهدى إليه.
ينتقد رجال الدين والسياسة، ولكنه حين يُزوّج أحد أبنائه، يحرص على دعوة أكبر عدد ممكن من الناس، ويخصص للوجهاء مقاعد مغطاة بالمخمل، ويتفرغ لاستقبالهم بنفسه، في حين لا يبالي إن حضر باقي المدعوين واقفين دون كراسٍ.
نراه موظفًا يتقاضى راتبًا لا يساوي ثمن حذاء أحد الزعماء، وهو ذات الزعيم الذي يتحمّل مسؤولية تدني راتبه، ومع ذلك يرافقه ويتودد إليه بإفراط، حتى لو خالفت هذه الحفاوة قوانين وظيفته.
يحكي لك اليوم قصة مدهشة توحي بأنه يدير الكون بإشارة منه، ثم يصحو في اليوم التالي ليخبرك بعكسها، ظنًا منه أنك فقدت ذاكرتك أثناء النوم.
هي شعوب تعاني من انفصام عن واقعها، تتفنن في جلد ذاتها، ويصعب عليها أن تلحق بركب الحضارة والتطور، أو أن ترتقي إلى مستوى مفهوم احترام الذات والسعي لنيل حقوقها في عيش كريم، مقابل ما تدفعه من أثمان لقاء خدمات شبه معدومة، تستجديها مرارًا وتكرارًا من زعيمها.