بقلم نبيل حرب
أيها السادة المحترمون، يا من تعارضون الزيادة على الأجور لأكثر من 250 دولارًا شهريًا، حدّثونا، بالله عليكم، كيف يحيا عاملٌ في هذا الوطن بـ250 دولارًا شهريًا؟ كيف يشتري الخبز والحليب؟ كيف يدفع فاتورة كهرباء لا تأتي، وماء لا يصل، ومدرسة لا ترحم، واستشفاء لا يُطاق؟
هل تعلمون أن زيارة طبيب تكلف أقلّه 50 دولارًا؟
هل تعلمون أن أقل غداء لعائلة من أربعة أشخاص يكلف 20 دولارًا؟
هل تعلمون أن صفيحة البنزين بـ15 دولارًا، واللبناني بحاجة للتنقّل في سيارته بغياب وسائل النقل العام؟
هل تعلمون أن إيجار غرفة واحدة مع ملحقاتها على الساحل يتجاوز 250 دولارًا، من دون احتساب المياه والكهرباء والإنترنت؟
هل تعلمون أن الشباب اللبناني يهاجر قرفًا ويأسًا وإحباطًا؟
انظروا إلى الزحمة أمام السفارات، إلى انقطاع أدوية الأعصاب والمسكنات من الأسواق، ليتمكّن بعض من فقد الأمل من مواصلة الحياة…
أجيبونا: هل تؤمنون فعلًا أن الإنسان يمكنه أن يعيش بهذا المبلغ؟ أم أن المطلوب منه أن يبقى حيًا فقط ليكدّ لكم، ويُربحكم، ويصمت ويتألّم بصمت؟
في بلد يُنهش من كل الجهات، تقولون: “الاقتصاد لا يتحمّل”، كأنكم كنتم أنبياء العدالة في عزّ الانهيار، أو صمّام أمان لعمالٍ جاعوا بينما مكاتبكم مكيّفة، ومخازن أرباحكم تُقفل بالملايين!
أي اقتصاد هذا الذي يريد من العامل أن يعيش على الفتات؟
أي منطق بشري، أخلاقي، قانوني، يُجيز أن يُعرض على ربّ أسرة 200 أو 250 دولار كأجر شهري؟
هل هذا وطن أم مسرح عبثي؟
وهل العامل عبدٌ في مزرعة، أو شبح في معمل، لا يُرى إلا عند الحاجة ولا يُحسب إلا رقمًا في دفتر الحضور؟
أعطوا الناس أقله ثمن طعامها لتتمكن من مواصلة العطاء…
يتحدثون عن “إنتاجية”، وينسون أن الجائع لا يُنتج، والمريض لا يُبدع، والمقهور لا ينهض بدولة.
يطالبون بـ”واقعية”، لكن واقعية من؟ من يجلس على كرسي من جلد ويقود سيارة بـ50 ألف دولار، أم من يُهين كرامته أمام أولاده لأنه لا يملك 5 آلاف ليرة؟
انظروا إلى بيوت العمال وقد باعوا أثاثهم ومصاغ نسائهم وتذكارات أولادهم وشققهم، وسكنوا بالإيجار ليتمكنوا من مواصلة الحياة.
انظروا الى تلاميذ المدارس من اولاد العمال الفقراء، دققوا بما يأكلون ،اسألوا ادارات المدارس ،وانا واثق مما اقول لعلكم ترون زوادتهم من الخبز الحاف او سكر ومياه او زيت وزعتر واحيانا بلا طعام.
مصانعكم بُنيت من عرق ودم وجهد ومعاناة عمالكم الفقراء.
أولادكم تعلّموا في أرقى الجامعات بفضل إنتاج أيادي عمالكم المهرة الفقراء.
سياراتكم وقصوركم، لولا عمالكم البسطاء، هل كنتم تقدرون على اقتنائها؟
تُهدّدون بالإفلاس والإقفال، لكن للصراحة، لو كنتم تخسرون لما وسّعتم معاملكم وزدتم صادراتكم، بل كنتم أقفلتم من زمان.
ألا تخجلون من طرح 250 دولار كحدّ أدنى؟
ألا ترون الفجوة بين قصوركم وبيوت العمال التي تساقطت جدرانها من العوز؟
ألا تفهمون أن من لا يملك راتبًا كافيًا لن يكون مواطنًا، بل غاضبًا، ناقمًا، حاقدًا، وقد ينفجر في وجه كل شيء؟
فأي اقتصاد ستديرون حين ينهار المجتمع نفسه؟
أيها السادة…
العمال ليسوا أرقامًا، بل بشرٌ لهم كرامة وحق.
العمال صمدوا في مؤسساتكم، وتحملوا أبشع الظروف يوم تخلّى الكل عنكم.
العمال إخوتكم وأهلكم وأقرب الناس إليكم.
المعادلة ليست بين ربح وخسارة، بل بين عدالة وظلم.
فأنصفوا الناس، وارضوا ضمائركم. فهل تريدون وترضون أن يعمل أولادكم بـ250 دولارًا في الشهر؟
هل يكفي هذا المبلغ ليوم واحد على البحر في مشاريع من بلطوا البحر؟
الأنظار إلى 7 أيار، فإما خطوة شجاعة نحو الإنصاف، أو الخوف من انفجار اجتماعي بدأت تباشيره مع العسكريين المتقاعدين والأساتذة وغيرهم، ولا أحد يعرف كيف يبدأ، ولا إلى أين ينتهي… ونحن لا نتمناه.
وفي هذا السياق ،كلمة شكر لا بد منها لمؤسسات زادت الاجور دون انتظار قرار رفع الاجور،بل استندت إلى ضمير اصحابها وانسانيتهم…
اما القسم الباقي فعودوا إلى ضمائركم، وانصفوا عمالكم. هؤلاء إخوة لكم في الإنسانية، هؤلاء عيونكم وسواعدكم ونبضكم وسرّ استمراريتكم..
دافعوا انتم عن عمالكم ،ولا تنتظروا الاتحادات العمالية ان تطالب بحقوقهم،وهي حقوق ممتازة في عهدتكم.
فارحموا من على الأرض ليرحمكم من في السماء وليكن ٧ أيار يوما مباركا لكم ولعمالكم بعد اسبوع من عيدهم.