قصة وعبرة

زارني ذات يوم صديق عزيز على قلبي، وهو شخصية مرموقة وذو لقب اجتماعي معروف، فقال لي:
“لدي رغبة في الترشّح للانتخابات النيابية، وأودّ رأيك بكل شفافية.”

فقلت له:
“أيها الصديق الكبير، دعني أقول لك بكل صراحة: اعرف نفسك أولًا. طبيعة هذه المعركة قد تكون قاسية، يسودها التشنّج أو الكيدية، وقد يصبح القريب بعيدًا، ويتشتت المجتمع في مواقفه وآرائه، ما يؤدي إلى نتائج غير متوقعة.
ربما يحبّك الناس ويحترمون مكانتك الاجتماعية، ولكن هذا الودّ لا يُترجم بالضرورة في صناديق الاقتراع، وقد تشكّل النتيجة صدمة لك، ليس لأنك لا تستحق، بل لأن التقدير العاطفي لا يعني دائمًا التأييد الانتخابي.
وهذا قد يؤدي – للأسف – إلى خسارتك لبعض المحبّين.”

حينها، غادر منزلي متجهّم الوجه، وكأنه صُدم بحقيقة لم يسمعها من أقرب المقرّبين، أولئك الذين نفخوا في رأسه وأوهموه بأنه في مقدّمة الفائزين.

لكنّه خاض المعركة، مدفوعًا بنصائحهم، وكانت النتيجة صادمة له، كما توقعت.

وما كان منه، بعد إعلان النتائج، إلا أن اتّصل بي قائلًا:
“أيها الصديق الوفي، أعتذر. لقد ظلمتك، ولكنني في الحقيقة ظلمت نفسي، لأني لم أتقبّل نصيحتك يومها. أشكرك من القلب… وإلى الملتقى.”

وهنا العبرة:
ينبغي على الجميع تقييم الأمور بموضوعية. فليس بالضرورة أن من صوّت لغيرك هو عدوّ لك، أو خائن، أو ناكر للجميل، أو متآمر عليك.

توقّف قليلًا أيها الإنسان… لا تظلِم نفسك ولا تظلِم الآخرين.
تقبّل النتائج كما هي، لأن الصناديق وحدها تُعطي الكلمة الأخيرة، لا الوجوه، ولا الخطابات، ولا التحالفات.

في أي استحقاق، نيابي أو بلدي أو اختياري، أدعوكم يا أبناء لبنان في كل المناطق إلى دعم المؤسّسات العامة، بعيدًا عن الحسابات الشخصية أو التحالفات الآنية.
لنُعزّز دور الدولة، ونتقبّل نتائج الانتخابات بروح رياضية، ونُطهّر القلوب من الحقد، ونتوحّد في الصفّين الاجتماعي والوطني.

هكذا تكون الديمقراطية.

محمد أحمد أمين
أمين سرّ “جمعية الحوار من أجل لبنان الواحد”

شاركها.

إجمالي عدد زوار الموقع: 121,507