بيار يونس
في خضمّ حفلات التباهي بالمقاعد البلدية والاختيارية، من هنا وهناك، يتصرف البعض وكأننا بلغنا ذروة الإصلاح والانماء والعدالة، فيما الوطن يغرق في أزماته، والناس تنهكهم المعاناة.
مفارقة صارخة بين صورة النصر الانتخابي التي تُرَوَّج، وواقع الانهيار الوطني الذي لا يراه المتباهون… أو لا يريدون أن يروه.
أين نحن من حياد لبنان، ذاك الخيار الوجودي الذي يُطرح ثم يُنسى، فيما البلاد تترنح بين المحاور؟
أين نحن من الاقتصاد الذي يتآكل يومًا بعد يوم، ومن خطط الإنقاذ التي لم تولد بعد؟
أين نحن من ودائع الناس، تلك المحجوزة والمنهوبة، التي أضحت كابوساً دائماً في كل بيت؟
أين نحن من أزمة النزوح السوري، التي تُثقل كاهل الدولة والمجتمع، وسط عجز رسمي وغياب رؤية واضحة؟
أين نحن من التحولات الإقليمية الكبرى، التي تُرسَم حدود النفوذ فيها بالحبر والدم، بينما لبنان يقف عارياً بلا استراتيجية، بلا تحصين، بلا رؤية؟
أين نحن من الإنماء المتوازن الذي يُتغَنّى به في الخُطَب، فيما قرى ومناطق بأكملها لا تزال خارج الزمن، محرومة من أبسط مقومات الحياة، وكأنها غير مدرجة على خريطة الجمهورية؟
وأين نحن من سيادة الدولة التي نُقسم أن نحميها، والقوى الأمنية التي نحلم أن يكون السلاح محصورًا بيدها وحدها دون سواها، لا شريك لها في القرار الأمني ولا منافس لها في سلطة القانون؟
لقد آن الأوان لنُخرج العمل العام من مستنقع المصالح الصغيرة ونقله إلى ساحة المسؤولية الوطنية الكبرى. فلا بلد يُبنى على ركام الشعارات، ولا دولة تُصان بحروب المقاعد.
لبنان بحاجة إلى نهضة وطنية شاملة، إلى خطة استراتيجية تحاكي الواقع وتواجه المستقبل، إلى رجال يُدركون أن الكرامة الوطنية لا تُختزل بمقعد، وأن الإنقاذ لا يُقاس بعدد الأصوات، بل بصدق الإرادة وعمق الرؤية.