مزرعة بلا حارس
حبوبة عون
في بلد أنهكته الأزمات، ودمرته السياسات الفاشلة، لا يزال المواطن يدفع الثمن، وحده، من دون أن يرى محاسبة، أو يسمع حكمًا يُنصفه.
بلد خرج من كوارث اقتصادية، وانهيارات مالية، واجتماعية، ونفسية، ومع ذلك، لا نسمع في كل أزمة سوى سيل من التصاريح والوعود… وغيابٌ تام لأي خبر عن محاكمة فاسد، أو إدانة سارق، أو استدعاء مرتشٍ أو مختلس. لا قضاء يتحرك، ولا محاسبة تتحقق.
في المقابل، يتحول السياسي إلى الآمر الناهي في تفاصيل الحياة اليومية. يتدخّل في التوظيف، ويبارك وصول سمسار أو فاسد إلى بلدية أو مخترة، وهما وظيفتان من المفترض أن تكونا في خدمة الناس ومكان إقامتهم، لا في خدمة الزبائنية والطائفية.
تُمنَع أصوات الناس من الاعتراض، وتُمرَّر بلديات بالتزكية، وبعض أعضائها لا يجيدون القراءة والكتابة، في صورة تفضح حجم الاستهتار بالمشاركة الشعبية وبمعايير الكفاءة والجدارة.
وفي مكان آخر من هذا المشهد العبثي، يبقى العسكري، الذي يفترض أنه يحمي الأمن ويؤمّن الاستقرار، يتقاضى راتبًا لا يكفي لأجر عاملة منزل عند أصغر زعيمٍ فاسد.
مشاورات، لجان، اجتماعات، اتفاقات تحت الطاولة وفوقها، والنتيجة واحدة: انهيار في كل شيء ما عدا منظومة الفساد.
كل ذلك يجري، ولا صوت يُرفع ليقول: “كفى”.
لا انتفاضة حقيقية، لا مساءلة، لا رفض شعبي جماعي بحجم الكارثة.
والنتيجة أن البلد بات أقرب إلى مزرعة… مزرعة بلا حارس.