من الانتخابات البلدية إلى النيابية… الصورة ستتبدّل والنتائج أيضًا
بقلم نبيل حرب

جرت الانتخابات البلدية الأخيرة في لبنان وسط أجواء هادئة نسبياً، تميزت بالسلاسة والنزاهة والانضباط، نتيجة الجهود التي بذلتها وزارة الداخلية والأجهزة المعنية. لكن هذا المشهد، على إيجابيته الظاهرة، يخفي في طيّاته مؤشرات سلبية ستنعكس حتماً على الانتخابات النيابية المقبلة، والتي لا يفصلنا عنها أكثر من عام.

فعلى الرغم من انتظام العملية الانتخابية، إلا أن كثيراً من التحالفات التي أُبرمت في القرى والبلدات والمدن، جاءت مخيبة لآمال العائلات والفعاليات المحلية. إذ فُرضت أسماء دون استشارة المفاتيح الانتخابية واصحاب الشأن، وغُيّبت الكفاءات المحترمة في بيئاتها، مما خلق استياءً واسعاً لدى شرائح شعبية واسعة. وهذا الاستياء لم يعبّر عن نفسه بالكامل في صناديق الاقتراع البلدية،وربما ظل على الحياد، لكنه سينفجر غالباً في الاستحقاق النيابي المقبل.

ولم تقف الأمور عند حدّ فرض المرشحين، بل ما زاد الطين بلّة ما رافق العملية من مهرجانات مبالغ بها، واحتفالات فولكلورية صاخبة، وحفلات إعلان “الانتصار” وعلى من؟ على الاقارب وابناء المنطقة والاصدقاء،وقد بدت هذه الاستعراضات في بعض الأماكن استفزازاً أكثر منها فرحاً مشروعاً. هذه المظاهر ولّدت شرخاً اجتماعياً حقيقياً،وان ظل كالنار تحت الرماد، ورسّخت نوعاً من الحقد الدفين في بعض المناطق، خصوصاً تلك التي شعر أهلها بالتهميش أو الإقصاء أو الاستخفاف او عدم التقدير والاحترام.

من هنا، فإن من يتباهى اليوم بفوزه البلدي، قد يكون من أوائل الخاسرين في المعركة النيابية المقبلة، لأن معايير هذه الانتخابات مختلفة جذرياً: فهي ليست قائمة على الخدمات المحلية والإنماء، بل على خيارات سياسية وتحالفات أوسع، وعلى توازنات داخل العائلات والمجتمعات. ومن جُرحت كرامته بلديًا، لن يسكت نيابيًا ولن يقف هذه المرة على الحياد،ولن تنفع معه سياسة جبر الخواطر وزيارات الاستعطاف وتقبيل اللحى والايادي التي يلجأ اليها بعض الساسة قبل ايام من الانتخابات.

والأخطر أن نسبة الاقتراع البلدية، التي لم تصل إلى نصف الناخبين في معظم المناطق، تعكس عمق اللامبالاة الشعبية من جهة، وحجم الاعتراض الصامت من جهة أخرى. وهذا الاعتراض قد يتحوّل إلى حركة فعلية في الانتخابات النيابية، فتنتقم القاعدة من الفئة التي تجاوزتها، وتفرض خيارات مغايرة تماماً لما شهدته صناديق البلديات.

لقد كانت الانتخابات البلدية، في الأساس، استحقاقًا إنمائيًا محليًا، يفترض أن يتنافس فيه أبناء المنطقة لخدمة مجتمعاتهم. لكنها تحولت في أماكن كثيرة إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية وفرض النفوذ الفئوي واستعراض القوة، وهو ما أفرغها من مضمونها الحقيقي الانمائي البحت. ولذلك، فإن نتائجها لا تعكس بالضرورة المزاج العام الذي سيحكم الانتخابات النيابية، بل على العكس، قد تكون مجرد مقدمة لانقلاب انتخابي سيُترجم لاحقاً في مواقف الناس وقراراتهم.

ومن يعش مع الناس ويصغي إلى وجعهم، يدرك تماماً أن التحالفات النيابية المقبلة لن تشبه التحالفات البلدية، وأن الكلمة الفصل ستكون للناخب الذي أُقصي وتم تجاهله، والذي سيعبّر عن غضبه في صناديق نيابية لن ترحم من احتفل ذات يوم بانتصارات اشبه بطواحين الهواء.

شاركها.

إجمالي عدد زوار الموقع: 119,935