ما هو سبب تعدد المواقع الإلكترونية في لبنان وانتشارها بهذا الشكل الكثيف؟ هل تحل مكان الصحافة المكتوبة والمرئية؟ ما هي الأحكام الناظمة لها وفي حال النزاع من يبت بالأحكام، محكمة المطبوعات ام القضاء الجزائي؟ ما هي الحقوق المرتبطة بهذه المواقع والجرائم الناجمة عن سوء استخدامها وهل تحتاج إلى قانون يرعاها اسوة بقانون المطبوعات؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتورة في القانون الجزائي عطاف قمر الدين وهي أستاذة جامعية صدر لها حديثا كتاب: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بين الإباحة والتجريم…
يقع الكتاب في 466 صفحة، في القسم الأول منه يتحدث عن أطر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حيث يفند باسهاب في الفصل الأول الأحكام الناظمة لهذه المواقع وفي فصله الثاني يعدد الحقوق المرتبطة باستخدام هذه المواقع …أما في القسم الثاني فيتكلم بأسهاب عن إساءة استخدام مواقع التواصل… ففي الفصل الأول يفند الجرائم الناشئة عن إساءة الاستخدام وفي الفصل الثاني يحكي عن الآثار المترتبة على اساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي…
باختصار انه كتاب من الصعب ان لا يطلع عليه متابع او مهتم، بالنظر لما تضمنه من معلومات قيمة منها ما هو تاريخي ومنها ما هو قانوني، لاسيما انه يشكل نقلة نوعية مبتكرة من عالم الافتراض إلى الواقع الملموس كما يقول في مقدمة الكتاب القاضي حاتم ماضي وهو دكتور في القانون
التقينا الدكتور عطاف قمر الدين وكان هذا الحوار…
-ماذا أردتِ أن تقولي من خلال إصدار كتابكِ؟
*غاية الكتاب القول بأنّ مواقع التواصل الاجتماعي قد فرضت نفسها على الساحة القانونية نظرًا للنتائج المترتبة على إساءة استخدامها. فهي ليست مساحة حرّة بمنأى عن سلطة القانون. وهذا ما تطلّب تبيان المعايير الفاصلة ما بين الاستخدام المشروع للأدوات التي توفّرها كمنصّة رقمية عالمية، وبين الاستخدام غير المشروع والذي يقع تحت طائلة التجريم والعقاب.
-ما رأيك بتعدّد المواقع الإلكترونية وما أهمّيتها على الصعيد الوطني؟
*عالم “الويب” الذي أرخى بظلاله على كافة ميادين الحياة لا يقتصر على حيّز جغرافيّ معيّن فقط، ولكنه بطبيعة الحال مرتبط بشبكة عالمية هي شبكة الانترنت. من هنا، ساهم هذا الطابع العالمي في إزالة كافة الحدود التقليدية التي كانت قائمة سابقًا ما بين الدول، وهذا ما أدّى بدوره إلى توجّه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في قرار اعتمد في ١ تموز ٢٠١٦، إلى التأكيد على أنّ تعطيل الوصول إلى خدمات شبكة الانترنت ومنها مواقع الويب، هو انتهاك لحقوق الانسان في العصر الحديث.
-هل من أحكام ناظمة لمواقع التواصل الاجتماعي؟ بالتالي ما هو الاختصاص القضائي؟ بمعنى، هل تنطبق عليها أحكام قانون المطبوعات أم لا؟
*في الواقع، طرح هذا السؤال الهامّ إشكالية قانونية ترجمت في تناقض موقف الاجتهاد (القضاء اللبناني) حول توصيف هذه المواقع، حيث اعتبر في بادئ الأمر، في عام ٢٠١٤ تحديدًا، أن الصفحات على تلك المواقع إنما تدخل ضمن صلاحية محكمة المطبوعات على اعتبار أنّ المطبوعة هي وسيلة النشر المرتكزة على تدوين الكلمات والأشكال بالحروف والصور والرسوم، فتعدّ تلك الصفحات في ضوء ذلك مطبوعة. ولكن في مرحلة لاحقة وحتى تاريخه، يستقر اجتهاد محكمة التمييز اللبنانية على القول بأنّ النشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي هو نشر خاص غير معدّ للتوزيع المستمر وبإسم معيّن وبأجزاء متتابعة، فلا يمكن اعتباره خاضعًا للضوابط المتعلقة بالمطبوعة وفق قانون المطبوعات، ولا يجوز بالتالي إخضاعها إلا لأحكام قانون العقوبات طبقًا للقواعد العامة، ولصلاحية القضاء الجزائي العادي.
-هل تمكّن الإعلام الرقمي برأيكِ من أخذ مكان الصحافة المكتوبة أو المرئية؟
*لا شكّ في أنّ معالم الإعلام قد تغيّرت مع تنامي وظائف الانترنت، بحيث أصبح متاحًا لأي شخص، أن يجمع المعلومات وأن يقوم بنقلها إلى الجمهور، بعيدًا عن أيّة رقابة تحريرية مسبقة وبغير الحاجة إلى وسيط. ما يعني أنّ المنصّات الرقمية لم تؤثر فقط على الصحافة الاحترافية التي يمتهنها أهل الاختصاص، ولكنّها أيضًا ساهمت في خلق مفهوم “الاعلام الجديد” الذي يشمل كافة الأطراف الفاعلة على الانترنت والمعنية بإنتاج ونشر المحتوى ضمن معايير أهمّها نيّة العمل الصحافي والمعايير المهنية وعنصري الانتشار والوصول.
-ماذا عن كيفية حماية حقوق الملكية الفكرية في إطار هذه المواقع في حال المساس بها؟
*من المعلوم أنّ مواقع التواصل الاجتماعي قد فرضت تحدّيات على حماية حقوق المؤلف، سيما لجهة صلاحية إجازة أو منع نقل العمل إلى الجمهور ونسبة العمل إلى صاحبه، في ظل السهولة المطلقة المتاحة في تعديل العمل المحمي أو نسخه أو نشره… بصورة عشوائية إلى أبعد حدّ.
ولكن من الناحية النظرية إن جاز القول، من المستقر عليه أن المبادئ التي تقوم عليها حماية حقوق المؤلف لا يجوز المساس بها أيًّا كان التطور الرقمي أو المعلوماتي الحاصل، فتبقى الحماية القانونية لأي حق مادي أو معنوي للمؤلف قائمة ومرعية التطبيق، ونعني هنا أحكام القانون١٩٩٩/٧٥ على وجه التحديد.
-ما هي الحقوق المرتبطة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي؟
*الاتجاه التشريعي الدولي يقول بوضوح أنّ الحقوق المعترف بها خارج مجال الانترنت، يجب أن تبقى كذلك في إطاره، وعلى رأسها، بحسب طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي، الحق في الخصوصية المعلوماتية أي الحق في حماية البيانات الشخصية والحق في التعبير عن الرأي بحرّية…
-ما هي الجرائم الناشئة عن إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي؟
*نصّت المادة الثانية من القانون ٢٠١٨/٨١ على أن:” تكنولوجيا المعلومات هي في خدمة كل شخص شرط أن لا تمسّ هويته الفردية أو حقوقه أو حياته الخاصة أو الحريات الفردية أو العامة”. ما يعني أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يخضع بغير استثناء إلى قانون العقوبات وسائر القوانين الجزائية الأخرى… ولكن بحسب طبيعة هذه المواقع، لعلّ أبرز الجرائم التي يمكن أن ترتكب بواسطتها، هي الجرائم التعبيرية كالنيل من الوحدة الوطنية وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية وتحقير الشعائر الدينية والذم والقدح… فضلاً عن جرائم المحتوى غير المشروع، كالمحتوى المتعلق باستغلال القاصرين في المواد الإباحية والمحتوى المتضمّن التعرّض للآداب العامّة أو الاعتداء على حقوق المؤلّف… إلخ.
-هل تحتاج مواقع التواصل الاجتماعي إلى قانون يرعاها أسوةً بقانون المطبوعات؟
*برأيي الشخصي، لسنا بحاجة في لبنان إلى مزيد من القوانين الجزائية الخاصّة التي تشتّت نصوص التجريم والعقاب إن صحّ التعبير، أو إلى مزيد من توسيع لصلاحيات المحاكم الاستثنائية… ولكننا بدون شكّ، بحاجة إلى قانون عصريّ جديد للإعلام، ينظم النشاط الإعلامي ويواكب التطوّر النوعي الذي طال وسائل النشر، ويكفل كذلك حرّية الصحافة، سيما لجهة منع إجراءات حجز الحرّية بالنسبة لجرائم النشر كافة والحدّ من العقوبات السالبة للحرّية بشأنها.
-ما هو سبب تكاثر هذه المواقع؟ الأهداف التجارية أم حرّية التعبير أم أي سبب آخر؟
*لعلّ السبب يختلف بحسب ما إذا كنا نتكلم عن الشركات المشغلة لها أم عن مستخدميها. فبالنسبة للشركات، إن البيانات الضخمة على هذه المواقع، تشكّل ثروة تعتاش عليها الشركات هذه، سيما بالنسبة للنشاط الدعائي والإعلاني… أما بالنسبة للمستخدمين فالأسباب كثيرة، أبرزها التواصل والرغبة في تحقيق الانتشار والشهرة السريعة، بالإضافة إلى سبب هام يتعلّق بالإيرادات المالية التي أصبح البعض يعتمد عليها في كسب معيشته، من جرّاء نسب المشاهدات العالية للمحتوى الذي يقوم بنشره على صفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
-ما هي كلمتك الأخيرة؟
*أودّ أن أشير أخيرًا إلى أهمية الرقابة الذاتية على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، للحدّ من توظيفها في غايات جرمية أو غير مشروعة.